الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
.مسألة المشي أمام الجنازة للرجال والنساء: قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: إن النساء يمشين خلف الجنازة؛ لأنهن عورة، فلا يكن بين أيدي الرجال، وإنما اختلف أهل العلم في الرجال، فقيل: إن الأفضل أن يمشوا أمام الجنازة، وقيل: إن الأفضل أن يمشوا خلفها، وقيل: إنهم مخيرون في ذلك، ولا فضل لأحد الوجهين على الآخر؛ وقيل: إنهم يمشون خلف الجنازة إلا أن يكون ثم نساء فيمشون أمامها؛ لئلا يختلط الرجال بالنساء، وتوجيه قول كل قائل وما تعلق به يطول، وهو موجود في مظانه، فلا معنى لذكره. .مسألة الحمالة عن الميت الذي لم يترك مالا: قال محمد بن رشد: هذا كان في أول الإسلام- والله أعلم، بدليل ما روي عن أبي هريرة «أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه دين، فيقول: هل ترك لدينه من فضل؟ فإن حدث أنه ترك وفاء، صلى عليه، وإلا قال للمسلمين: صلوا على صاحبكم، فلما فتح الله الفتوح، قام فقال: أنا أوفى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي من المسلمين وترك دينا، فعلي قضاؤه، ومن ترك مالا فهو لورثته». وإنما أخبر النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- قوم المتوفى بحبس ميتهم دون الجنة بما عليه من الدين، رجاء أن يؤدوه عنه، أو يتحملوا به؟ بدليل حديث جابر بن عبد الله، «أن رجلا مات وعليه دين فلم يصل عليه- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- حتى قال: أبو اليسر، أو غيره، هو إلي؛ فصل عليه يا رسول الله، فجاءه من الغد يتقاضاه، فقال: إنما كان أمس، ثم أتاه من بعد الغد فأعطاه؛ فقال النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: الآن بردت عليه جلده». وهذا حديث فيه ستة أوجه من الفقه: أحدها جواز الحمالة عن الميت الذي لم يترك مالا، خلافا لأبي حنيفة في قوله: إن الحمالة باطل؛ إذ لو لم تجز الحمالة لما صلى عليه النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-؛ والثاني أنه إذا أدى الدين عن الميت، لم يكن له الرجوع في مال إن طرأ له، إذ لو انتقل الدين إلى الحميل الذي أداه ولم يسقط عن الذي كان عليه، لما بردت جلده بالأداء عنه. والثالث: أن الكفالة لازمة للحميل بغير قبول المكفول له، خلافا لأبي حنيفة في ذلك. والرابع: جواز الكفالة بغير إذن المكفول عنه. والخامس: وجوب أخذ المكفول له بها الكفيل. والسادس: أن ذمة المكفول عنه لا تبرأ بوجوب الكفالة على الكفيل حتى يؤدي عنه، لقوله- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- «الآن بردت عليه جلده». فإذا لم تبرأ ذمته بالكفالة من الدين، كان للذي له الدين أن يتبع بدينه من شاء منهما على أحد قولي مالك، وهو مذهب الشافعي، وأبي حنيفة. وقيل: إنه ليس له أن يتبع الكفيل، إلا في عدم الذي عليه الدين، وهو أحد قولي مالك، واختيار ابن القاسم، والصحيح في القياس والنظر؛ لأنه إن قضى للمكفول له على الكفيل، قضى في الحين للكفيل على المكفول عنه، فالقضاء للمكفول له على المكفول عنه أولى وأقل عناء، فلا معنى لتبرئة الكفيل بالاتباع مع حضورهما واستوائهما في الملأ واللدد، وبالله التوفيق. .مسألة منع النساء في جنائزهن من شق الثياب: قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، إنه من عمل الجاهلية، فينبغي للإمام أن يغير ذلك ويمنع منه؛ قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ليس منا من شق الجيوب، وضرب الخدود، ودعا بدعوى الجاهلية». وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أربع في أمتي من أمر الجاهلية لن يدعهن الناس: النياحة، والطعن في الأحساب، والعدوى؛ أجرب بعير فأجرب مائة بعير، من أجرب البعير الأول؟ والأنواء: مطرنا بنوء كذا وكذا»- ذكره الترمذي. .مسألة مولى لامرأة توفي فقام ابن المولاة فقال لابن عم له تقدم فصل عليها: قال محمد بن رشد: إنما هذا من أجل أنه صبي، ولو كان رجلا لكان ابن عمه الذي قدم أحق من ابن أخي مولاة المتوفى؛ لأنه حقه له أن يجعله إلى من شاء، وإلى هذا ذهب ابن حبيب، وحكاه عن ابن الماجشون، وأصبغ، وقال ابن عبد الحكم: إذا أبى أن يصلي فالذي بإثره أحق، وليس له أن يجعل ذلك إلى من هو أبعد منه؛ وساق ابن حارث هذه الرواية على أنها مثل قول ابن عبد الحكم، فلم يلتفت إلى قوله فيها: وأنت صبي ممن لا أمر لك، وذلك إغفال منه، فقف على ذلك. .مسألة قراءة القرآن عند رأس الميت: قال أشهب: وسئل مالك عن قراءة القرآن عند رأس الميت بـ {يس} [يس: 1]. فقال: ما سمعت بهذا، وما هو من عمل الناس؛ قيل له: أفرأيت الإجمار عند رأسه- وهو في الموت يجود بنفسه؟ فقال أيضا: ما سمعت شيئا من هذا، وما هذا من عمل الناس. قال محمد بن رشد: استحب ابن حبيب الإجمار عند الميت إذا احتضر، وأن يقرأ عند رأسه بياسين؟ وحكي عن النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- أنه قال: «من قرأ ياسين أو قرئت عند رأسه- وهو في سكرات الموت، بعث الله ملكا إلى ملك الموت: أن هوّن على عبدي الموت». قال: وإنما كره مالك أن يفعل ذلك- استنانا. .مسألة حضرته الجنازة وليس على وضوء ويخاف إن توضأ فوتها أيتيمم لها: قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة في رسم اغتسل على غير نية، فلا وجه لإعادته. .مسألة تفوته الجنازة فيأتي بعدما توارى أترى أن يكبر عليه أم يدعو: قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة: أنه لا يصلى على من قد صلي عليه- وإن لم يدفن، وقيل: إنه يصلى عليه ما لم يدفن. روي أن الزبير بن هشام بن عروة توفي بالعقيق، فصلى عليه أبوه، ثم بعث به إلى المدينة، فأمر أن يصلى عليه بالبقيع ويدفن، وقد فعل ذلك أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلين على سعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف؛ وقيل: إنه يصلى على قبره- وإن دفن، كما فعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمسكينة التي دفنت ليلا، ولم يؤذن بها. وقد حكى ابن القصار عن مالك إجازة ذلك- ما لم يطل ذلك، وأقصى ما قيل فيه الشهر، وهو شذوذ في المذهب؛ فقد قال في المدونة: ليس على هذا الحديث العمل، وسيأتي في رسم النسخة من سماع عيسى، القول في الصلاة على قبر من دفن ولم يصل عليه. .مسألة ما تكفن فيه الجارية: قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، إن الكفن لا حد فيه يجب الاقتصار عليه، فلا يزاد فيه ولا ينقص، وإنما يتكلم على الاستحباب، فمما يستحب فيه الوتر، إلا أن الاثنين عندهم أفضل من الواحد، والثلاثة أفضل من الأربعة، فأدنى الكفن في الاستحباب ثلاثة، وأعلاه في الاستحباب خمسة أثواب. قال ابن حبيب: والخمسة للمرأة ألزم، وقد فرق في الاستحباب بين المرأة والرجل والجارية والغلام، فقال ابن شعبان: إن أدناه للمرأة خمسة أثواب، وأعلاه سبعة أثواب؛ وقال بعضهم: يكفن الصبي- ما لم يطعم في ثوب، فإذا طعم ففي ثلاثة أثواب، والجارية إلى أن تحيض في ثلاثة أثواب، فإذا حاضت ففي خمسة أثواب؛ ومما يستحب في الكفن البياض، وتستحب الحبرة لمن وجد لذلك سعة، لما روي «أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كفن في ثلاثة أثواب أحدها حبرة»، ويكفن في صماته في مثل ما كان يلزمه في الجمع والأعياد في حياته، ويقضى بذلك عند اختلاف الورثة فيه، وإنما «كفن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشهداء يوم أحد اثنين في ثوب واحد» من ضرورة، ومعناه فيمن عراه العدو؛ لأن السنة أن يدفنوا في ثيابهم- والله أعلم. .مسألة الصلاة على المنفوس في المنزل: قال محمد بن رشد: استفهامه عن ذلك، وإنكاره أن يكون علم أن ذلك يفعل؛ يدل على أنه كره ذلك من العمل، ووجه الكراهية في ذلك بين. قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من شهد جنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن اتبعها حتى تدفن فله قيراطان»، ولم يفرق بين صغير وكبير. .مسألة الرجل يموت ويترك ابنا له قد راهق الحلم: قال محمد بن رشد: المراهق: هو الذي قد أنبت وبلغ من السن ما يشبه أن يكون قد احتلم، ولم يبلغ أقصى سن الاحتلام؛ فهذا إن أقر أنه لم يحتلم، لم يمكن من الصلاة على أبيه؛ لأن من لم يحتلم، ولا بلغ أقصى سن الاحتلام، فليس بمكلف ولا مؤاخذ بذنب، ولا مثاب على طاعة. وقد قيل: إنه يثاب على طاعاته، وإن قال: إنه قد احتلم، فهو الذي قال مالك فيه الرواية يصلي عليه غيره أحب إلي، مخافة ألا يكون صادقا فيما ذكره من احتلامه، فهذا معنى هذه الرواية- والله أعلم؛ لأن اختلاف قول مالك فيمن وجب عليه حد، أو طلق وقد أنبت، إنما يرجع إلى تصديقه فيما يذكر من أنه لم يحتلم، وقد تأول عليه غير ذلك- وليس بصحيح. .مسألة أوصت ابنها أن يكفنها في ثلاثة أثواب كانت تلبسها في حياتها: قال محمد بن رشد: قوله: أحب إلي أن يفعل ما أمرته به أمه، كلام ليس على ظاهره، بل هو الواجب عليه، وذلك إذا كانت إنما أوصت ابنها أن يكفنها في ثلاثة أثواب بأعيانها تبركا بها لحلها، أو لأنها حجت فيها، أو كانت تشاهد الصلوات بها، أو ما أشبه ذلك مما تريد به وجه البر؛ لأن من أوصى بما فيه قربة، فواجب أن تنفذ وصيته، قال عز وجل: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} [البقرة: 181]. وأما إن كانت إنما أوصت بذلك حيطة عليه، وقصدا إلى توفير مالها عليه، لا لغرض لها في أعيان الأثواب؛ فله أن يبدلها بغيرها- وإن لم يتحقق غرضها في وصيتها، فالاختيار له ألا يخالف أمرها- والله أعلم. .مسألة جارية غارت على سيدها فشربت نورة فقتلت نفسها: قال محمد بن رشد: قوله في التي قتلت نفسها: إنه يصلى عليها، معناه أنها لا تترك بغير صلاة؛ لأنها ممن ترغب في الصلاة عليها؛ فقد قال ابن وهب في المعروف بشرب الخمر والشر: ما حاجتك إلى شهوده؟ دعه يصلي عليه أهله ومن أحب؛ وإنما وقع هذا السؤال لما روي من أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده في نار جهنم، يجاء بها في بطنه في نار جهنم- خالدا مخلدا فيها أبدا». وأنه قال في التردي والسم مثل ذلك، فذهب جماعة من السلف إلى إنفاذ الوعيد عليه، والأكثر منهم يراه في المشيئة، لقوله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48]- الآية. وما في الحديث من تخليد في النار، ليس على ظاهره، ومعناه أنه خالد فيها مخلد أبدا- حتى يخرج منها بالشفاعة مع سائر المذنبين؛ لأن القتل لا يحبط إيمانه، ولا يبطل أعماله، فلابد من مجازاته على ذلك، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 35]. وهذا قول أهل السنة والحق، وقد روي عن جابر بن سمرة: «أن رجلا نحر نفسه بمشاقص، فلم يصل عليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». فتعلق بذلك من ذهب إلى أنه لا يصلى على من قتل نفسه، منهم: الأوزاعي، وابن شهاب، ولا حجة لهم في ذلك؛ إذ لم ينه عن الصلاة عليه، وإنما ترك هو الصلاة عليه، إذ كان من سنته ألا يصلي على المذمومين، ويصلي عليهم غيره، كالقاتل والمديان، وشبههما، أدبا لهم وزجرا عن مثل فعلهم؛ وقال أحمد بن حنبل: لا يصلي الإمام على من قتل نفسه، ويصلي عليه الناس؛ وحكم قاتل النفس في ذلك، حكم من قتل نفسه. وقوله في الرواية: وما سمعت أن أحدا ممن يصلي القبلة ينهى عن الصلاة عليه. يروى: ينهى، وينهي، والصواب ينهى على لفظ ما لم يسم فاعله؛ وهذا يدل على أن قوله في القدرية والإباضية: لا يصلى عليهم، إنما معناه أن الصلاة تترك عليهم أدبا لهم، إذ لا يرغب في الصلاة عليهم، لا لأنهم يتركون بغير صلاة أصلا، وقد بين ذلك في كتاب ابن شعبان، فقد قال فيه: إنه لا يصلى عليهم ولا على من يذكر بالفسق والشر، وإنما يرغب في الصلاة على من يذكر فيه خير، ومما يدل على صحة رواية من روى ينهى على لفظ ما لم يسم فاعله، ما احتج به مالك من قول عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاته على عبد الله بن أبي سلول المنافق، وما أنزل الله من النهي عن الصلاة عليهم، إذ هم كفار معدودون في غير أهل القبلة؛ لأن صلاتهم إليها بغير نية ولا اعتقاد. .مسألة أتى جنازة فوجدهم قد سبقوه ببعض التكبير عليها: قال محمد بن رشد: قياسه في هذه الرواية، ما فاته مع الإمام من التكبير على الجنازة على ما فاته من تكبير الصلاة، لا يستقيم؛ لأن تكبير الصلاة لا يجب منه إلا تكبيرة واحدة، وهي تكبيرة الإحرام، وهي لا تفوته بفواتها، مع الإمام، بل يكبرها متى ما جاء- وإن لم يدرك الإمام إلا في آخر الصلاة؛ وسائر التكبير سنة وفضيلة، فلا يجب على الرجل مع الإمام قضاء ما فاته منه، وإنما يجب عليه قضاء ما فاته من الركعات؛ ألا ترى أنه لو قضى ما فاته مع الإمام من الركعات، ونسي التكبير فيهن؛ لأجزأته صلاته ولم يكن عليه إلا سجود السهو، والأربع تكبيرات في صلاة الجنائز متساوية في الوجوب، كتساوي ركعات الصلاة في الوجوب، ويجب على من فاته منها شيء مع الإمام أن يقضيه، كما يجب عليه أن يقضي ما فاته معه من ركعات الصلاة؛ فإنما الصحيح أن يقاس ما فاته مع الإمام من التكبير، على الجنازة، على ما فاته معه من ركعات الصلاة على ما ذهب إليه في المدونة، إلا أن جوابه في هذه الرواية أصح من جوابه في المدونة، وأجرى على أصله فيها؛ لأنه إذا نزل التكبيرة في صلاة الجنازة، منزلة الركعة في الصلاة في وجوب القضاء، وكان له أن يكبر مع الإمام معا، والأحسن أن يكبر بعده؛ فلا ينبغي أن يفوته التكبير بتكبير الإمام، حتى يكبر الإمام التكبيرة التي بعدها؛ فإذا جاء وقد كبر الإمام تكبيرتين، فإنما فاتته الأولى، ولم تفته الثانية فيكبرها، ويدعو إن أدرك أن يدعو- إلى أن يكبر الإمام التكبيرة الثالثة، فيكبرها معه أو بعده وهو أحسن؛ وإن جاء وقد كبر ثلاث تكبيرات، فإنما فاتته الأولى والثانية ولم تفته الثالثة، فيكبرها ثم يدعو- إن أدرك أن يدعو- إلى أن يكبر الإمام الرابعة فيكبر بتكبيره، ويقضي تكبيرتين بعد سلامه؛ وإن جاء بعد أن كبر التكبيرة الأولى قبل أن يكبر الثانية فلم تفته بعد التكبيرة التي كبر الإمام، فيكبرها ويدعو- إن أدرك أن يدعو- إلى أن يكبر الإمام التكبيرة الثانية، فيكبر بتكبيره، إذ لا يفوته التكبير بأخذه في الدعاء، ولا بتمامه منه؛ إذ لو وجب ذلك لوجب أن يفوته بأقل ما يجزئ منه في كل ركعة، وهو أن يقول: اللهم اغفر له، ولوجب إذا لم يكبر مع الإمام معا وتراخى في ذلك حتى يقول الإمام: اللهم اغفر له، أن يكون قد فاته التكبير، وهذا ما لا يصح أن يقال. فجواب مالك في هذه الرواية أصح من قياسه؛ لأنه جار على أصله في المدونة، وهو أصل صحيح، وجوابه فيها، أعني في المدونة، ليس بصحيح. .مسألة فاتته الصلاة على جنازة فصلى عليها في القبر: قال محمد بن رشد: قد تقدم القول على هذه المسألة في أول الرسم فلا وجه لإعادته. .مسألة شق النساء ثيابهن على الميت: قال محمد بن رشد: وهذه المسألة، قد مضت- والقول عليها في أول رسم من هذا السماع، فلا معنى لإعادته؛ وأما ما ذكر من قول زينب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فلا تعلق له بالمسألة، وإنما ذكره مالك لسبب جرى في المجلس، فذكرت الحكاية وقيدت عنه دون السبب- والله أعلم. .مسألة جنائز الرجال والنساء إذا اجتمعوا: قال محمد بن رشد: أما إذا كثرت جنائز الرجال، أو النساء، أو الرجال والنساء؛ فإنهم يجعلون سطرين، سطرين، أو أكثر من ذلك- كما قال قولا واحدا؛ فإن كانت الأسطر وترا وهو الاختيار أن يكون قام الإمام في وسط الأوسط منها، وإن كانت شفعا قام فيما بين رجلي الذي عن يمينه، ورأس الذي على يساره، ويكون الأفضل منهم الذي على يمينه، ثم الذي يليه في الفضل الذي على شماله، ثم الذي يليه في الفضل الذي يلي الذي على يمينه، ثم الذي يليه في الفضل الذي يلي الذي على شماله؛ ثم ينتقل إلى الصف الذي أمامه على هذا الترتيب، ثم إلى الذي بعده على هذا- أبدا؟ وأما إذا قل عدد الجنائز فكانوا اثنين، أو ثلاثة، أو نحو ذلك؛ قال ابن حبيب: إلى ما دون العشرين، فكان مالك- أول زمانه- يرى الأحسن أن يجعل واحد أمام واحد إلى القبلة وهي رواية ابن كنانة عنه في هذه الرواية، ثم رأى ذلك كله واسعا: أن يجعلوا سطرا واحدا من الشرق إلى الغرب، أو يجعل واحد أمام واحد إلى القبلة، ولم يفضل إحدى الصورتين على الأخرى؛ وهذا الاختلاف قائم من المدونة، ويقدم إلى الإمام الذكور على- الخناثى المشكلين صغارا كانوا أو كبارا، أحرارا كانوا أو عبيدا؟ والخناثى المشكلون على النساء صغارا كانوا أو كبارا، أحرارا كانوا أو عبيدا؟ ويقدم الأحرار على العبيد- صغارا كانوا أو كبارا، فتنتهي المراتب على هذا إلى اثنتي عشرة مرتبة، أعلاها الرجال الأحرار، ثم الصبيان الأحرار، ثم الخناثى المشكلون الأحرار الكبار، ثم الخناثى المشكلون الأحرار الصغار؟ ثم العبيد الكبار، ثم العبيد الصغار، ثم العبيد الكبار الخناثى المشكلون، ثم العبيد الصغار الخناثى المشكلون، ثم النساء الأحرار، ثم الصبايا الأحرار، ثم النساء الإماء، ثم الصبايا الإماء، ويقدم من أهل كل مرتبة من هذه المراتب الأفضل، فالأفضل، ثم الأسن، فالأسن، وهذا الترتيب متفق عليه، إلا في تقديم الحر الصغير على العبد الكبير، فقد قيل: إنه يقدم العبد الكبير عليه؛ لأنه يؤم ولا يؤم الحر الصغير، وهو ظاهر ما في آخر سماع موسى بن معاوية لابن القاسم، وقول مالك في المبسوطة، خلاف قوله في الواضحة، وخلاف قول أبي حازم، وخلاف ما حكى الفضل أن العتبي ذكره عن ابن القاسم. .مسألة صلاة عمر بن الخطاب على صهيب: قال محمد بن رشد: قد تقدم هذا والقول فيه في رسم الشريكين من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته. .مسألة تعظيم الموت بالسكينة والكآبة عند حضور الجنازة: قال محمد بن رشد: هذا مما كان عليه السلف الصالح تعظيم الموت بالسكينة والكآبة- عند حضور الجنازة، حتى لقد كان الرجل يلقى الخاص من إخوانه في الجنازة له عنده عهد، فما يزيده على التسليم، ثم يعرض عنه، كأن له عليه موجدة، اشتغالا بما هو فيه من شأن الميت، فإذا خرج من الجنازة سأله عن حاله ولاطفه، وكان منه أحسن ما كان يعهد، فيكره الضحك في الجنازة، والاشتغال فيها بالحديث والخوض في شيء من أمور الدنيا. .مسألة المرأة تموت بفلاة من الأرض ومعها ابنها هل يغسلها: قال محمد بن رشد: اختلف في غسل الرجل ذوات محارمه إذا لم يكن ثم نساء يغسلنها على أربعة أقوال؛ أحدها: أنه لا يغسلها ويؤممها وهو قول أشهب. والثاني: أنه يصب الماء عليها صبا ولا يباشر جسدها بيده من فوق الثوب ولا من تحته، وهو قول مالك في رواية أشهب هذه. والثالثة: أنه يغسلها من فوق الثوب، فلا يفضي بيده إلى جسدها، وهو قول مالك في المدونة. والرابع: قول ابن حبيب: إنه يغسلها- وعليها ثوب يصب الماء فيما بينها وبينه، لئلا يلصق بجسدها فيصف بابتلاله عورتها، وظاهره أنه يفضي بيده في غسله إياها إلى جسدها، ومعنى ذلك- عندي- فيما عدا ما بين السرة إلى الركبة، فإنه لا يفضي بيده إلى ذلك منها دون أن يجعل عليه خرقة، إلا أن يضطر إلى ذلك- كما يفعله الرجل بفرج الرجل، إذا غسله؛ إذ لا يختلف في أن الفخذ والسرة من المرأة عورة، ولا يحل أن ينظر إليه من عدا المرأة ممن لا يحل له الفرج باتفاق؛ وتنظر إليه المرأة على القول بأن الفخذ ليس بعورة، وكذلك يختلف أيضا في غسل المرأة ذوي محارمها من الرجال- إذا لم يكن ثم رجال يغسلونه؛ فقال أشهب: إنها تؤممه ولا تغسله. وقال في المدونة: إنها تغسله، ولم يشترط من فوق الثوب، وقال ابن القاسم في سماع موسى بن معاوية: أنها تغسله من فوق الثوب، كما قال في المدونة في غسل الرجل ذات محرمه، والأظهر ألا يغسل الرجل ذوات محارمه؛ لقوله- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- في أمه استأذن عليها، أتحب أن تراها عريانة- وأن يغسلنه؛ لأن المرأة في نظرها إلى ذوي محارمها من الرجال، كالرجل في نظره إلى الرجل، فهذا تحصيل الاختلاف في هذه المسألة.
|